20.8.11

قلب «زايد الخير» لم يعرف إلاّ الحب والرحمة

حمد بن سوقات في ذكرى «الحاضر رغم الغياب»
حوار: علي الظاهري وسعيد الوشاحي


لم تكن سيرة المغفور له بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، بالأمر الذي يسهل حصره والإحاطة به، فكلما تحدث أحد المقربين من الراحل الكبير، كشف عن مساحات ضوء وأنهار عطاء وخير، وأماط اللثام عن ملامح شخصية عبقرية قلما يجود الزمان بمثلها. لو وصفناه بأنه شخصية كاريزمية لما أوفيناه حقه، ولو قلنا بأنه رجل استثنائي، لما حصرنا كل ميزاته، ولو تحدثنا عن فيض عطائه، لما انتهينا من الكلام، وعن حكمته وحبه للتراث والشعر ولشعبه ولأمته العربية والإنسانية، لاحتجنا إلى صفحات وصفحات، وحسبنا في السطور المقبلة "فقط" أن نكشف قليلاً من كثير، وأن نلقي الضوء على بعض من كل.

في ذكرى المغفور له بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، يتحدث الشاعر حمد بن سوقات، الذي طالما اقترب من الوالد وكان رفيقاً أميناً، لرجل لن يبرح القلوب، ويروي لنا بعض المحطات من ذاكرة مازالت تخزن الكثير.

ولتكن البداية من بطاقة تعريف بالشاعر، ولعل طفولة الإنسان هي مخزن خبراته، وعن هذه المرحلة يقول بن سوقات: تعلمت في المدرسة الأحمدية في دبي على يد المعلم والشيخ محمد نور، ومن تبعه من المعلمين الذين علمونا مبادئ القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم، بالإضافة إلى تعلم مبادئ الحساب، وفي طفولتي بدأت الاهتمام بالشعر، وهو أمر يرجع إلى أني نشأت في بيت يحب الشعر ويحتفي به، وكثيراً ما كان مجلسنا يستقبل الشعراء المعروفين في ذاك الوقت، ومن ثم كانوا يلقون قصائدهم، وطبيعي أنني كنت أصغي لهم، فتشربت نفسي حب الشعر. ولست الوحيد الذي امتلك موهبة نظم الشعر في أسرتي، فأخي محمد شاعر له تجربة ثرية، وله الكثير مما شدا به مطربو الإمارات، وأختي تحفظ الكثير من الشعر القديم وتلقيه إلقاء جميلاً. ومما ساهم في أن أحب الشعر أيضاً، ظهور مجموعة من المطربين الذين أحببتهم، فصرت أحرص على أن أمدهم بقصائدي، حتى يغنونها، وكل هذه العوامل مجتمعة، أدت إلى أن أصبحت الشاعر: حمد بن سوقات.

متى تعرفت على المغفور له الشيخ زايد بن سلطان، وإلى أي حد كنت مقرباً منه؟

يرجع الفضل إلى تعرفي على المغفور له بإذن الله الشيخ زايد، إلى الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، يرحمه الله، الذي رافقته منذ أن كنت صغيراً، وكنت ألازمه في كل مجالسه، وكان يرحمه الله يصطحبني وإياه في رحلاته خارج الدولة. وكان الراحلان الكبيران، كثيراً ما يلتقيان قبل قيام دولة الاتحاد، وكانت تجمعهما صداقة صافية، وتحدوهما الآمال في الارتقاء بالوطن ورفعة شأنه.

وبعد إعلان الاتحاد تكثفت الزيارات والاجتماعات بينهما، وظللت مرافقاً للشيخ راشد بن سعيد إلى إن اختاره الله بجواره، وقد وقع الخبر على رأسي كصاعقة على جذع شجرة. لا أستطيع وصف تلك اللحظة، في البداية رفضت كغيري تصديق الأمر، ثم خارت قواي فترة، حتى استسلمت في نهاية الأمر للقضاء والقدر، غير أني في يوم، كنت أشعر بأني خسرت خسارة فادحة، فقد كان الشيخ راشد تغمده الله برحمته، مدرسة في الحكمة وبعد الرؤية وحب الخير. وبعدئذٍ رافقت المغفور له الشيخ زايد، وكانت علاقتي به قد توطدت معه من خلال مرافقتي للشيخ راشد بن سعيد، وكان الشيخ زايد متأثراً بوفاة أخيه الشيخ راشد كثيراً، وحزن عليه حزناً شديداً، وكثيراً ما كان يردد: أسأل الله أن يجعل لنا في أبنائه عوضاً، فقد خسرنا رجلاً حكيماً وقامة شامخة.

رافقت المغفور له الشيخ زايد في رحلات خارج الدولة، فما أبرز ذكرياتك عن هذه الرحلات؟

الشيخ زايد رجلٌ محبٌ لفعل الخير، وصاحب مواقف لا تنسى، قضيت معه أياماً جميلة لا أنساها تراودني ذكرياتها في كل لحظة.
رافقته في سفرياته ولم نشعر بالغربة، كنا نمكث بالشهور خارج أرض الوطن ولكن لا نشعر بمرورها، لا تكاد تغيب عن وجهه الابتسامة، ويحب أن يترنم بالشعر ويستمع إليه، له مواقف وبصمات وعطاءات خيرة تركها في كل مكان سافر إليه.

ومن المواقف التي لا أنساها، والتي تعكس كرم المغفور له الشيخ زايد أثناء رحلته للعلاج في الولايات المتحدة، والتي استغرقت ما يقارب سبعة أشهر، أنه علم بأن مجموعة من العرب والمسلمين يزورون هذا المستشفى الذي يتعالج فيه، ويترددون على ذويهم ومعارفهم من المرضى، ويقطن بعضهم في الفندق المجاور للمستشفى، فأصدر أوامره بأن يفتح المطعم أبوابه لمرتاديه على نفقته الخاصة ليلاً ونهاراً ولم يقتصر الطعام على العرب فقط، بل شمل الزوار جميعهم على اختلاف دياناتهم وجنسياتهم. وبعد استكمال العلاج أرسل الرئيس الأميركي آنذاك بيل كلينتون، مجموعة من كبار مساعديه لتهنئة المغفور له على سلامته. وبعدما استقبلهم وأحسن ضيافتهم، مضى يتحدث عن الشؤون الدولية والسياسة الخارجية الأميركية، وخلال النقاشات صرح الراحل الكبير تصريحاً يفيض حكمة واتزاناً، ألا: نحن نعلم بقوة أميركا وهيمنتها ودورها في العالم، وأطلب أن تستغل هذه القوة والنفوذ في منع الظلم ومساعدة المظلوم.

من المعروف أن الشيخ زايد يرحمه الله كان موسوعة شعرية، وهناك مساجلات شعرية بينكما فكيف كانت هذه المساجلات؟
كان الشيخ زايد رحمه الله موسوعة شعرية تمشي على قدمين، وبرحيله فقدنا شاعراً لا يضاهى، وقد كانت له مفرداته الرشيقة الموحية، التي كان يحسن تشكيلها وفق الحالة الشعورية والوجدانية التي يرغب في ترسيخها. إن الشاعر الحقيقي هو الشاعر الذي تتميز قصائده، بأنها ذات شخصية مستقلة، وبالتالي يشعر المتلقي للوهلة الأولى، بأنه إزاء شعر متمايز، وشاعر ذي شخصية غير متكررة. هذه الميزة، ساهمت في أن شاعت أشعاره، ليس فقط على نطاق الدولة، وإنما خارجها أيضاً، وفي أن أغراضه الشعرية، والموضوعات التي تطرقت إليها قصائده، قد اتسعت لتشمل سرد الحكايات ووصف الأفراح والأتراح فضلاً عن القصائد التي تتناول القضايا الاجتماعية، والتي انبثقت من حبه لأرض الإمارات وشعبها.

وكان الشعر أداة ينقل بها الراحل الكبير أحاسيسه إلى شعبه، فالقصيدة لم تكن مجرد عمل أدبي، وإنما كانت فضلاً عما سبق ذات غرض تنويري، فهي تارةً تؤكد ضرورة التمسك بقيمة ما، وحيناً تنبذ سلوكاً مرفوضاً، هذا بالإضافة إلى الشعر الذي كان خالصاً لوجه الشعر. وكان الشيخ زايد طيب الله ثراه، يحفظ الكثير من شعر السابقين، عليماً بمفردات البداوة وبحور الشعر النبطي، وطبيعي أن يكون وجودي إلى جواره، مما يثير قريحتي ويستفزها، وقد كان يتعمد مساجلتي كما يتعمد مساجلة شعراء آخرين، لكي يستحث قريحتهم فتجود بأجمل ما فيها.

وكان يعلم ويفهم طبيعة شعبه، وقد أدرك أن الشعر النبطي يمتلك القدرة على التأثير في أفراده، لذلك كان يقوم من حين لآخر بنظم قصائد وتوجيهها إليهم، والحق أقول: لقد كانت لكلماته التي تفيض حكمة وعذوبة، فعل السحر في أبناء هذا الوطن.

لو ابتعدنا عن الشعر، وتطرقنا إلى "زايد الإنسان"، فماذا تقول؟

امتلك الشيخ زايد، رحمه الله، قلباً وسع الإنسانية بأسرها، وأحب الناس في كل مكان، بغض النظر عن الدين والعرق والجنس، فتعلقت بحبه القلوب، ولهجت الألسنة بالثناء عليه. وكانت سعادته الكبرى تكتمل حينما يكون بالقرب من الأطفال، عندئذٍ كانت ترتسم الابتسامة الواسعة على شفتيه، وكنت أتعجب من صبره وسعة صدره، حينما كان يجالس الأطفال ويصغي إلى ما يجول في خواطرهم، في ود أبوي رائق صاف. إن عاطفة الأبوة كانت أبرز ملامح شخصيته، وبهذه العاطفة تعامل مع أبناء شعبه، فالمواطن يجب أن يحظى بعمل كريم، وتعليم راق، ومسكن لائق، وإذا ما أراد الزواج، فثمة منحة لمساعدته، تماماً مثلما يتمنى كل أب لفلذات أكباده.

وحينما كان يداعب أحفاده، كانت عيناه تفيض بشراً وسعادة، وكان يجلسهم على فخذيه ويطوق خواصرهم بذراعيه، ومن ثم ينفق الساعات في قص الحكايات القديمة عليهم، وسؤالهم عن ما يطمحون إليه ويصبون للوصول له، وتوجيههم بالكلمة الطيبة دون المساس بمشاعرهم أو التجريح في حديثه معهم، فاتحاً ذراعيه ليجدوا فيه الأب والأخ والصديق.

وكان مهتماً بغرس القيم والعادات التراثية في وجدان الأطفال، لذلك كثيراً ما استوقفته في الأفراح والمناسبات حركات الأطفال وأداؤهم للفنون الشعبية كالرزفة، وكان يشجعهم على إحياء هذا المكتسب من التراث، فهذا هو "زايد الخير" الأب والأخ والصديق الذي تجاوزت رحمته وعفويته الفواصل بينه وبين شعبه.

- لكنه يرحمه الله، قد كان يغضب ككل البشر، فما الأمر الذي كان يغضب الشيخ زايد؟

كان يرحمه الله، بشوشاً هادئاً حليماً على وجه العموم، وكانت لقاءاته بأبناء شعبه تشيع في وجدانه السعادة، وكان أكثر ما يسعده أن يذلل عقبة، أو يساعد محتاجاً، إلى درجة أنه كان يذهب بنفسه إلى المناطق النائية ومختلف إمارات الدولة، ليلتقي بالمواطنين ويجالسهم ويستمع منهم مباشرة من دون وسيط. وعلى هذا الأساس، فإن أكثر ما كان يغضبه، أن يصل إلى علمه أن أحداً من أبناء الشعب ذو حاجة ولم يحصل عليها، ولاسيما الحاجة إلى المسكن إلى درجة انه انزعج كثيراً عندما أخبره البعض بلجوء بعض سكان الإمارات إلى استئجار بيوت، فأمر بسرعة استئصال هذه المشكلة عبر بناء المساكن وتسليمها للمواطنين، من خلال برنامج زايد للإسكان.كان رجلاً اقترن قوله بفعله، فحينما كان يردد: لا خير في الثروة ما لم يتم استغلالها لمساعدة الناس، كان في الوقت نفسه يبذلها لما فيه خير الناس، وكان يشعر بالحزن إذا مر يوم من دون أن يمد يد العون إلى محتاج. لم يساعد أحداً فيه.

لقد كان رجلاً ينطبق عليه هذا البيت:

شيخ إذا مدت يمينه بالعطا
يفرح كما المعطاي بالمالي

كان مجلس الشيخ زايد مفتوحاً لكل الناس، فصف لنا كيف كان يستقبل مطالبهم ويصغي إليهم؟

في مجلسه كان يحرص على أن يصغي للجميع، وحينما يلتقي بأبناء شعبه، لا يمكن أن تشعر بأن رئيساً يجلس مع عامة الناس، فهو واحد من الشعب، لا تفارق محياه الابتسامة، ويستمع إليهم، ولا يرد سائلًا حاجة، ويرحب بالمحتاجين ويستقبلهم ويأمر بمساعدتهم.
وكان حينما يتحدث يحرص على توجيه النصائح الصادقة، بأسلوب لا يقوم على الإملاء والإجبار، وإنما عبر حوار هادئ أبوي أو أخوي، حسب سن المتحدث إليه. وحينما كان يوجه حديثه إلى الشباب، كان يحرص على التودد إليهم، حيث يعلم بحكمته ما للشباب من نزق وجموح، ويعامل كل من في مجلسه بوصفه ضيفاً عزيزاً غالياً.

لم أره مرة يرد ذا حاجة، وكانت ابتسامته لا تفارق شفتيه، ويحرص على السؤال عن رواد مجلسه وأحوالهم فرداً فرداً، وإذا غاب أحدهم يستفسر عن سبب غيابه، وهو علاوة على ذلك، كان ذا مهابة، فإذا تحدث أصغى الجميع، وهي مهابة لم تكن مستمدة من كونه رئيس الدولة، وإنما لأنه رجل أعطاه الله كاريزما خاصة، وكان حديثه حلواً لا يخلو من الملح والأمثال الشعبية وآيات القرآن الكريم والشعر الشعبي.

استطاع الشيخ زايد أن يحول البلاد من صحراء مقفرة إلى جنان خضراء، فحدثنا عن هذه التجربة المبهرة.
إن ما تحقق على صعيد نشر الرقعة الخضراء، في عهد الشيخ زايد رحمه الله، يعد من المعجزات التي أبهرت الوطن العربي والعالم أجمع، إذ لم يكن في الحسبان أن هذه الأراضي والصحاري القاحلة ستصبح حدائق خضراء مبسوطة على نطاق جغرافي واسع من الدولة.

إنني أتذكر الطريق ما بين أبوظبي والعين سابقاً، حينما كان صحراء لا شيء فيها إلا الرمال، ولا وجود لهذه المزارع على جانبي الشارع، وليست هذه البساتين الخضراء مجرد حُلة تزين بثوبها الأخضر مناطق وأراضي الدولة، بل أصبحت ثروة زراعية تحتوي على محاصيل وفيرة، ساهمت في الوصول إلى الاكتفاء الذاتي من الكثير من المحاصيل، وأيضاً التصدير إلى الخارج.

وقد تعلق الراحل الكبير بالزراعة وتحديداً بالنخيل تعلقاً انطلق من إيمانه بأهمية هذه الشجرة، وما تمثله لأبناء المنطقة كونها أحد الرموز التاريخية والتراثية المهمة فكان رحمه الله يغرس بيده فسائل النخيل، ويشجع السكان على زراعة الأراضي بمنحهم الأراضي الزراعية وتوفير كافة عوامل النجاح من مد شبكات الري وابتكار الطرق الحديثة المتمثلة في إنشاء البيوت البلاستيكية ومد المزارعين بالأسمدة والفسائل لإنعاش الثروة الزراعية في المنطقة. وإيماناً منه بما سيتحقق إزاء هذا الخطة الزراعية، فقد استدعى الشيخ زايد كبار المهندسين الزراعيين والخبراء وطلب منهم إجراء البحوث ورسم الخطط لإنشاء غطاء زراعي واسع المحتوى وبعيد المدى، وأبدى هؤلاء المهندسون دهشتهم مما طمح إليه وجزموا بأنه حلم يستحيل تحقيقه. ولكن بعزيمته وإرادته القوية أثبت للجميع بأنه لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس، والحلم مهما كان بعيد المدى سيتحقق بالإرادة القوية وبتضافر الجهود وسعيها لصنع المنجزات، وهكذا فوجئ الجميع بما شهدته الإمارات من نهضة زراعية مبهرة.

فُجع الوطن في مثل هذا اليوم برحيل الشيخ زايد، فكيف كان وقع النبأ عليك؟

كانت من أصعب اللحظات التي عشتها في حياتي وأكثرها مرارة، فالصدمة كانت كبيرة، والخسارة لم تقتصر على الإمارات فقط، وإنما على البشرية بأسرها. أما بالنسبة لي وللمقربين من الغائب الحاضر، فقد كان نبأ الوفاة زلزالاً هز كياننا بعنف، ورفض كثيرون تصديق الخبر، حتى تيقنا من صحته، فأصبح الدمع والحزن سيد الموقف.

في هذا اليوم، خيم الحزن على الإمارات، وبكى المواطنون والوافدون، وقد تلقيت النبأ عبر الهاتف من أحد الأصدقاء، المقربين من الشيخ زايد، طيب الله ثراه، قبل إعلان الوفاة بساعة، ولم يكن سهلاً أن أتقبل الخبر، حتى بثته وسائل الإعلام، فأخذت أردد: لله ما أخذ ولله ما أعطى، إنا لله وإنا إليه راجعون.

ولقد رافقت سمو الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم، نائب حاكم دبي، وزير المالية إلى إمارة أبوظبي، للمشاركة في تشييع جثمان الفقيد الغالي، فقيد الوطن وفقيد الأمة العربية والإسلامية إلى مثواه الأخير، وكلما أتذكر هذه اللحظة أشعر بالأسى العميق على رجل ارتبطت وإياه بمسيرة طويلة وذكريات خالدة.

الترويسة
إحدى المساجلات الشعرية بين المغفور له الشيخ زايد وحمد بن سوقات

بو خليفه القلب تعباني
في هوى من تله ابوده
بوصباتايهوروياني
نقتبس لأنوار من خده
ونهبني عمدبالعاني
عارف ضعفي انا عنده
أي نظر باعيانهاعياني
خرس نطقي وانحبس رده
بالجميل افعل اناتراني
مدمن في حبك بشده
روف بي والطف باحساني
لا تشطالقلب وتهده
عقب ذاك العهد لي كاني
لا تضيع ودكبضده
انت سيدي وانت سلطاني
وانت روحي والنصخانته
لو عطوني ملك طهراني
والرياض وفوقهنجده
عن هواك اصبر فلا كاني
دام باجي م العمرمده
و قد جاء رد سموه
مثل لي صابك انا ياني
مر بي في جزره و مده
الموده لي لهلشاني
تشغل المشتاق و اتحده
كيف تشكي وانت متهاني
فيسعادة حب وموده
الهوي منعش لمن كاني
سعد ياللي يلحقهمده
الغضي مدعوي لعياني
لي ينير البيت منخده
هوه سلطانٍ لسلطاني
يامرابامرهونعتمده
الطبيعي عارف الشاني
يخضع لسيده ومايبده
ما يبده غير لحساني
عند من يهواهويوده
يا حمد واضب و لا تواني
في خشوع الحب ولك سعده

ساعة زايد.. فراق وشجن من رحلة سفر

بينما كان الشاعر مستغرقاً في حديثه وغارقاً في سرده للذكريات ظلت صورة زايد واضحة ومرسومة ليس في قلبه فقط وإنما على ساعد يده، حيث تمسك الشاعر حمد بن سوقات بساعة يد أهداها له الشيخ زايد عندما رافقه في إحدى سفرياته. وعن هذه قال: أهداني الشيخ زايد رحمه الله ساعة يد مرسومة عليها صورته، وخصصها لي وللشاعر حمد بن سهيل رحمه الله وصديق ثالث رافقنا في الرحلة، ولم تفارق هذه الساعة يدي لتعلقها بتلك المناسبة. فلم تكن مجرد هدية تنتقل من يد إلى أخرى وإنما تعني لي الكثير. ورمزت إلى أواصر الأخوة والمحبة التي جمعتني به من سنوات طويلة والتي ظلت أحداثها ومواقفها راسخة إلى الآن.

أسرار خلف لقب »بن سوقات«

اسمي حمد بن أحمد خلفان بن سوقات الفلاسي، أما بن سوقات، فهو لقب العائلة التي عاشت في إمارة دبي، تمتعت باحتوائها نخبة من الشعراء والتجار. ويعود لقب "بن سوقات" لقصة قديمة ترجع إلى جد والده حمد بن خلفان. تطرق حمد بن سوقات في حديثه للإدلاء بأسباب وأسرار إطلاق لقب بن سوقات، وقال: كان جد والدي يذهب إلى رحلات الغوص والبحث عن اللؤلؤ التي تمتد أحياناً إلى أكثر من ثلاثة أشهر، ومن أشهر المناطق التي كانوا يقصدونها في الغوص "نيوة خلفان" التي احتوت على كميات ضخمة من المحار واللؤلؤ، وتعد من أهم مصادر الرزق والتجارة. وعلى الرغم من العناء الذي تكبده إزاء تنقله الدائم بين جميرا وهذه المنطقة التي يبقى فيها لفترة تمتد إلى 15 يوماً أحياناً، ودهش الناس والتجار من تنقلاته المتوالية إلى المنطقة وقالوا ان حمد بن خلفان "يسوق سوقات" أي بمعنى يجلب البضائع بكميات كبيرة وتحديداً القماش. ومن هنا ألتصق لقب "بن سوقات" بنا، وأصبح متعارفاً بين الجميع بأننا من أبناء بن سوقات.

جولات زايد في الصباح

كانت الإمارات وشعبها محور اهتمام وتفكير المغفور له الشيخ زايد، فحرصه على التنمية وبناء الإنسان وتوفير متطلباته، كان يحتل صدارة تفكيره. وكانت جولاته مستمرة وكان يشدد على البناء والتشييد وبفضل جهوده استطاع أن يبني هذه الدولة على أساس متين، فكان رحمه الله منذ قيام الاتحاد يقوم في كل صباح بجولات تفقدية للبيوت والمحلات والصحاري والأراضي، وينظر إلى حاجات شعبه، ويأمر بإنشاء المدارس والمستشفيات والطرق والمطارات في كل مكان كان يرى فيه الحاجة لإنشائها. وكانت ينظر إلى المستقبل قبل الإقدام على خطوة، مؤمناً بأن بناء الدولة يتطلب جهداً كبيراً.

وسخر المغفور له جهده في استصلاح الأراضي وإنشاء المساكن ليعم النفع على المواطن والمقيم على هذه الأرض المباركة.
وبفضل جهوده تحولت الصحاري إلى مناطق سكنية وأراض خصبة، ولم يقف المغفور له أمام الصعوبات التي كانت تواجهه، بل تحداها لتصبح الإمارات، من الدول التي يشار إليها بالبنان. ورغم التطور الذي وصلت إليه الدولة لم ينس المغفور له العادات البدوية التي تربى عليها، فحافظ على العادات والتقاليد والتراث.

مواقف عظيمة

الحديث عن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، كان مليئاً بالعبر والذكريات التي لا تبرح الذاكرة. ولدى سؤاله عن القصيدة التي كتبها في رثاء الشيخ زايد، خنقت الشاعر العبرة، واغرورقت عيناه بالدموع ثم أجهش باكياً. وحالما تمالك نفسه، تحدث بن سوقات قائلاً: لم أستطع كتابة القصيدة عن قلب الأمة، حيث حالت العبرة بيني وبين قلم الكتابة، وإن كتبتها فلن توفيه السطور ولن تصفه الأبيات فكلما تذكرت ابتسامته وتذكرت حديثه تخنقني العبرة وأعجز عن كتابة أي قصيدة عنه.

ومضى قائلاً: إن الشيخ زايد كان الحاكم والأب والأخ والصديق، وبرحيله شعرت بأنني فقدت عائلة بأكملها وليس فرداً واحداً، فما من لحظة إلا وأشعر فيها بالحنين والشوق إلى سماع قصائده الشعرية، وأتغنى وإياه بما فاضت منا من قصائد خلال جلساتنا المستمرة لا سيما في رحلات السفر إلى الخارج.

و أنا في حياتي لم ولن أجد الكلمات التي تفي حق زايد رحمه الله، ولن يستطيع أي شاعر وكاتب وصف ما جادت به يد زايد على الشعب الإماراتي والشعوب جميعاً، عرف الشيخ زايد بابتسامته وحبه للفرح، وإذا كان جالساً في مجلس يريد من الجميع التحدث والمشاركة في الذي يتحدث به، وتميز المغفور له بحكمته في الحديث وكان كلامه درراً.

ويحرص الجميع على حضور مجالسه لأنها منبع للحكمة والتواضع، ومن المواقف التي لا تبرح ذاكرتي، حديث المغفور له في أحد المجالس وتطرقه إلى مناقشة مواضيع مختلفة وشارك فيها الجميع وكنت أنا صامتاً طوال فترة جلوسي، مستمعاً للحكم التي يطلقها، وبعد أن انتهى من حديثه نظر لي وقال: يا حمد نحن تحدثنا ولم أسمع صوتك في هذا الموضوع، فأجبت عليه: أنا أستفيد وأتعلم من كلام سموك ولا كلام لي بعد كلامك، فقال لي الشيخ زايد بابتسامة بل قل شيئاً يا حمد، فأجبته بالأبيات

آنستنا يالقايد
لي شهم فمعناك
أنت الزعيم الرايد
محد في مستواك
جلوسك من الفوايد
نكسب خبره وراك
يعل أيامك رغايد
بجاه لي أنشاك

وبعد ألقائي عليه هذه الأبيات قال لي أنا أعرف أنك سوف تقول شيئاً، حينما أجبته بالشعر لأنه رحمه الله كان يحب الشعر كثيراً. و المغفور له الشيخ زايد كان رجلاً بسيطاً متواضعاً ونموذجاً يحتذى به، محباً للخير وسنداً للمحتاجين، كان أباً حنوناً لأبنائه وأحفاده وشعبه، يحترم الكبير ويحنو على الصغير ولا يهمش أحداً.

وفي شهر رمضان كان يفتح أبواب مجلسه لعامة الشعب ليستمع إليهم، وعند الإفطار أو الأكل كان رحمه الله لا ينفر من شيء أمامه، ولا يغالي في الطعام، وعند الجلوس على موائده كان يقدم من يأكل معه على نفسه، فيحرص على أن يقدم لهم الطعام بيده ويدعو كل شخص معه حتى يشعر كل شخص بأنه هو الأحب إلى المغفور له رحمه الله.

كما اهتم المغفور له الشيخ زايد بمختلف مناحي الحياة في البلاد، وكانت قضايا الزواج والمغالاة في المهور ضمن اهتماماته الدائمة وكان يحث الآباء على التسهيل في الزواج، وعدم المغالاة في المهور وينصح بأنه يجب على رب الأسرة عند زواج ابنته أن لا يغالي، فقيمة الرجل ليست في المهر الذي يقدمه، بل قيمته تكون في أخلاقه وصفاته الحميدة التي سوف تحفظ ابنته في المستقبل. و يشجع يشجع على إحياء الموروث الشعبي، وحكمته التي أطلقها عندما قال: من لا ماض له لا حاضر له دليل على اهتمامه بالماضي.


التاريخ: 19 أغسطس 2011 

2.8.11

كُن كالقصيدة

كُن كالقصيدةِ.. رُبّما، آتيكَ يوْماً يائسة!
نتشارَكُ اللّحنَ القصيّ!
ونقطِفُ الأفكارَ أبكاراً
على وجهٍ بهيّ..
كُن كالقصيدةِ أرتمي في حضنها
الحامي.. النديّ
لاتستبيحُ سرائري
لا يقتضي أمرُ اللجوءِ لحضنها
عذرٌ جليّ!
كُن كالقصيدةِ غنّني!
اترُك لهم هَمّ القلَق..
وانسج معي أيّامنا الزرقاءُ
فاتِنةُ الألَق!
كُن كالقصيدةِ حُرّةٌ.. من أعيُنِ السُّفهاءِ
والأشياءِ عاليةُ النَّسَق!
كُن أُكسجيناً عابراً.. كُن زهرةً
كُن نوْرساً عَشِقَ الغَسَق..!
كُن مثلَ صوتي رُبّما.. آتيكَ يوماً يائسة!
 
عذبة