ســاداتُ كُــلِّ أُنـاسٍ مـن نُفوسِـهِمِ
ــــ... وســادَةُ المُســلمينَ الأعـبُــدُ الـقَـزَمُ
أغايَــةُ الــدِينِ أن تُحْـفُوا شَـوارِبَكُمْ
ــــ... يـا أمَّـةً ضَحـكَت مـن جَهلهـا الأُمَمُ
أبو الطيب المتنبي
نردد كثيرا كلما دار الحديث عن تخلف الامة العربية عن ركب الحضارة المنتجة أن العرب أمة لا تقرأ ثم نختم ذلك بقول ابي الطيب المتنبي ( يا أمة ضحكت من جهلها الاممُ ) مستشهدين بقول المتنبي وكأنه نبوؤةٌ من نبوآته المستشرفة للمستقبل وحال العرب اليوم فهل مجرد عدم قراءة العرب للكتب عامة هول سبب التخلف العربي وعلته؟؟ فإذا شَرََعَ العرب في القراءة مجرد القراءة لحقوا بركب الحضارة والصناعة والفكر؟
وهل استعمالنا لشطر بيت المتنبي سالف الذكر يأتي في محله على مراد المتنبي؟ .
ولنبدأ بشطر بيت المتنبي الذي لا يعرف اكثرُنا صدرَهُ فما هذا الشطر إلا عَجْزُ بيت أي الشطر الثاني في قصيدة قصيرة يسميها المختصون في علم الشعر مقطوعة لأنها تتألف من سبعة أبيات وهي أبيات في ذم كافور الاخشيدي الذي حكم مصر فعليا سنة 964 للميلاد واصبح واليا عليها منذ سنة 966 للميلاد لمدة أربع وعشرين سنة .
في ظني أن أكثر المستشهدين بشطر بيت المتنبي هذا ربما لا يعرفون صدره وفي هذا تأكيد على عدم قراءْتنا حتى للشعر الذي طالما افتخرنا بأنه ديوان العرب العظيم
فلو أن أحدا من الذين يستشهدون به كان قد قرأ البيت كاملا لكان الاولى به عدم الاستشاد به لان المتنبي في هذا البيت كان ياخذ على بعض الناس في مصر آن ذاك فهمهم المغلوط في رأيه للدين وهو أنهم يعتقدون أن الدين مجرد مظاهر خارجية كإحفاء الشارب أي قَصَّهِ أو حلقهِ فحسب حيث يقول :
أغاية الدين أن تحفوا شواربِكُمْ
ــــ... يا أُمةً ضحكت من جهلها الاممُ
والراي عنده أن الدين الحق في عدم القبول بولاية كافور الاخشيدي لانه أسود عبد كما ان الناس فيما يبدو انهم يحسنون الظن في هذه النقطة عندما يظنون أن المتنبي كان ناقدا للامة العربية كلها آنذاك لجهلها وعدم إنتشار العلم فيها .في حين ان المتنبي لا يعني الامة العربية مطلقا ولا العلم غير علم الدين هنا بل هو يعني أهل مصروحدهم واستعماله للفظ الامة هنا طبيعي لمن عرف العربية حق المعرفة فالامة في العربية لا تعني الامة كما نفهما الان بل هي قد تعني المجموعة من الناس بل قد تعني الواحد أحيا كما شهدنا ذلك في التعبير القراني الكريم الذي وصف نبي الله إبراهيم بأنه أمة وحده وفي معنى الامة جاء في مقاييس اللغة والأُمَّةُ الجماعةُويؤكد ذلك شرح المعري لذلك البيت حيث قال المعري ( مِنْ عادة أهل مِصْر إحفاء الشوارب .يقول: اقتصرتم من الدين على ذلك، وعطلتم سائِر أحكامه! ورضيتم بولاية كافور عليكم مع خسته، حتى ضحكت الأمم منكم واستهزءوا بكم وبقلّة عقلكم. )
إلى هنا واعود الى السؤال الثاني الذي قدمتُ عليه قصة بيت المتنبي البريئ في ظني من اتهام الامة العربية بالجهل بأنها متخلفة علميا وقتها,
المهم أن كثيرين منا ينسبون ويرجعون تخلف العرب الى عدم قراءتهم
فهل صحيح أن هذه الامة لو قرأت فإنها في قراءتها لا تفهم وإذا فهمت لا تقتنع وإذا اقتنعت لا تعمل وإذا عملت لا تحسن العمل فلا تنتج إنتاجا يليق بمستوى الركب المتقدم عليها وهل هذا نوع من جلد الذات الذي اعتاده المفكرون والدعاة والمثقفون العرب والحقيقة في ظني ان الامر ليس عدم قراءة وعدم فهم وعدم عمل وعدم حسن انتاج ولكنه قبل كل ذلك امر اقتناع باهمية اللحاق بالركب واعتراف بأننا بعيدون عن الركب لاننا لا نسعى للعلم ولسنا لاننا محاصرون مظلومون متآمر علينا فحسب
إذاً فأية قراءة هي النافعة الناقلة الى ركب الحضارة وهل يمكن للامة ان تتحول
الى القراءة بلمح البصر؟ الحقيقة في ظني أن القراءة الناقلة الى ركب الحضارة تبدا من التعليم من مقاعد الدراسة وان القراءة المعينة على الابتكار والبحث العلمي هي القراءة الواعية التي يدرك بها الفهم الحديث للنافع السمين من الكتب من هزيلها
فلو بقيت الف سنة تقرا فقط ما تعتقد انه الحق الذي لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فلن تتقدم ابدا لأن قراءة القديم وحده ولا أقصد كل القديم والمقدس هنا ولكن اقصد تقديس كل القديم لقدمه ونبذ الحديث لحداثته فقط فذلك لا ينفع ولا يدفع بنا الى ركب الحداثة والقراءة اولا في ظني تربية فكيف لأمة لا تنشأ على محبة العلم أن تصبر القراءة وتحبها أليست القراءة علم فما بالك بأمة لا تصبر على العلم كيف لها أن تحب القراءة وكيف لجيل أن ينشأ على حب القراءة وهو لا يرى عن أهل العلم إعلانا أو إعلاما إلا النادر القليل في مقابل الاعلان الضخم عن الهزل والرقص والتهريج والركض وراء الكرة وقد يسأل سائل مستغرب وهل يحتاج العلم واهله الى اعلان واهتمام حتى نحبه ونحب القراءة عنه والحق ان الاجابة بنعم هي الصحيح لأن الا نسان البسيط واقع هذه الايام تحت تأثير الاعلام وقوعا مهلكا فكيف تلومه وهو يرى الاعلان صباح مساء عن زيد وعبيد من اللهو واهله ولا يرى اعلانا واحدا إلا بألوانه الباهته الجامدة عن العلم والعلماء والمعرفة وكيف للبسيط الفقير أن يهتم بالقراءة والعلم وهو يرى الراقص يكافؤ بمئات الالاف والباحث المبتكر يبكي ولايكرم إلا في الغرب واستثني القليل النادر إذن فالمسألة مسألة إيجاد بيئة صالحة دافعة للعلم والقراءة.
سالم الزمر